الحجامة عند أبو قاسم الزهراوي
المقالة الثلاثون ” باب الحجامة ”
أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي ولد عام 936 – 1013 ميلادي في مدينة الزهراء شمال قرطبة وقد عرف الزهراوي في الغرب باسم ” Albucasis ” تحريفا للقبه وهو ابو القاسم ، وهو ثالث الثلاثة النوابغ من الأطباء العرب وهم الرازي وابن سينا والزهراوي … من أشهر كتبه التصريف لمن عجز عن التأليف ، كتاب في الطب والممارسة الطبية ، يتكون الكتاب من ثلاثين مقالة أو فصلا ، كل منها تغطي تخصصا من تخصصات الطب، ختمها الزهراوي بالمقالة الثلاثين في الجراحة. يذكر الزهراوي في مقدمة كتابه أن صناعة الطب قد تدهورت في زمنه وأنه كتب هذ الكتاب ليجمع فيه العلوم الطبية لمن عجز عن جمعها بنفسه ، كما يتضح من اسم الكتاب.
الحجامة وكيفية استعمالها
المحاجم قد تكون من القرون ومن الخشب ومن النحاس، ومن الزجاج، والحجامة تكون على وجهين؛ أحدهما الحجامة بالشرط وإخراج الدم، والآخر الحجامة بلا شرط، وهذه الحجامة التي بلا شرط تكون على وجهين؛ إما أن تكون بنار وإما أن تكون بغير نار، والمحاجم التي تستعمل بالشرط وإخراج الدم لها أربعة عشر موضعاً من الجسم.
أحدها محاجم النقرة وهو مؤخر الرأس، والكاهل وهو وسط القفا، ومحاجم الأخدعين وهما صفحتي العنق من الجهتين جميعاً، ومحاجم الذقن، وهو تحت الفك الأسفل من الفم، ومحاجم الكتفين، ومحاجم العصعص، وهو على عجب الذنب، ومحاجم الزندين وهما وسط الذراعين، ومحاجم الساقين، ومحاجم العرقوبين.
والحجامة إنما تجتذب الدم من العروق الدقاق المبثوثة في اللحم، ومن أجل ذلك لا تسقط القوة إسقاط الفصد.
ولا ينبغي أن تستعمل الحجامة، بنار كانت أو بغير نار، في أحد الأمراض التي تكون من الامتلاء حتى يستفرغ البدن كله.
فإن دعت الحاجة إلى الحجامة من قبل مرض أو من قبل العادة استعملناها في كل وقت؛ في أول الشهر وفي آخره وفي وسطه، وفي أي زمان كان، وذلك أن من الناس من إذا كثر فيه الدم حتى يحتاج إلى إخراجه بالحجامة يجد في رأسه ثقلاً وصداعاً، ومنهم من يجد امتلاء وحمرة في وجهه ورأسه ورقبته، ومنهم من يجد حكاكاً في وجهه وفي جبينه، وظلمة وأكالاً في عينيه، ومنهم من يحك مواضع محاجمه، ومنهم من يكثر ضحكه، ومنهم من يجد طعم الدم في فمه وترم لثاته ويبصق الدم، ومنهم من يكثر نومه، ومنهم من يرى في نومه الدم والحمرة والقتلى والجراحات وما أشبه ذلك، فمتى رأينا شيئاً من ذلك وبخاصة إن كان في الثلث الأوسط من الشهر، أمرنا عند ذلك بالحجامة بعدما يمضي من النهار ساعتان أو ثلاثة.
وأما منفعة حجامة النقرة : فإنها تنفع من الثقل في الرأس، وما ينصب إلى العينين، ولكن ينبغي أن يكون ذلك بعد استفراغ جملة البدن، وهذه الحجامة قد تكون عوضاً من فصد القيفال، ولا يجوز أن يستعملها من كان بارد الدماغ أو كان به نزلة، فإنها تضره ضرراً عظيماً، ولذلك لا ينبغي أن يستعملها الشيوخ ومن في رأسه أمراض باردة، ومن أدمن عليها ولّدت له النسيان، ولذلك ينبغي أن تأمر الحجام أن ينزل يده بالمحجمة قليلاً إلى أسفل خوفاً من تولد النسيان.
اقرأ ايضًا : مواضع حجامة داء السكري
وأما حجامة الكاهل : فهي عوض من فصد الأكحل وفصد الباسليق، ولذلك تنفع من الربو وضيق النفس وانصداع آلة التنفس والسعال والامتلاء، وينبغي أن ترفع حجامة الكاهل قليلاً لأنها إن صيرت إلى أسفل ولدت ضعفاً في القلب والمعدة.
وأما حجامة الأخدعين : فتنفع من الأوجاع الحادثة في الرأس والرمد والشقيقة والخناق والوجع في أصول الأسنان، وهي عوض من فصد الباسليق، وينبغي أن تأمر الحجام أن لا يعمق يده بالشرط لئلا يقطع شرياناً فيحدث النزف.
وأما الحجامة تحت الذقن : فتنفع من القلاع في الفم، وفساد اللثة، ونحوها من الأمراض التي في الفم، وقد تقوم مقام فصد الجهارك التي في الشفتين.
وأما حجامة الكتفين : فتنفع من الخفقان الذي يكون من الامتلاء والحرارة.
وأما حجامة بطني الزندين : فتنفع مما ينفع فصد العروق الثلاثة الباسليق والأكحل والقيفال، لأنها تجذب الدم من جميع تلك العروق الدقاق التي في اللحم، وتجتذب تلك العروق الدقاق من عروق أخر أغلظ منها، حتى يبلغ الجذب إلى العروق الثلاثة، وينبغي أن تأمر الحجام أن لا يمعن في الشرط، لأن الموضع معرى من اللحم وتحته أعصاب وشريانات.
وأما المحجمة الواحدة التي تحجم على العصعص : فإنها تنفع من بواسير المقعدة وقروح الأسفل، وينبغي أن تأمر الحجام أن تكون المحجمة كبيرة وأن تكون من نحاس، لأن الموضع يحتاج إلى مص قوي وربما انكسرت محجمة الزجاج، ويشرط شرطاً كبيراً إن شاء الله.
وأما محاجم الساقين : فتنقص الامتلاء نقصاناً بيناً، لأنها تجتذب الدم من جميع الجسم، وتنفع من الأوجاع المزمنة في الكلى والأرحام والمثانة، وتدر الطمث، وتنفع من البثور والدماميل، وتقوم مقام فصد الصافن والعرقوبين، إلا أنها تنهك البدن كثيراً وتحدث الغشي في أكثر الناس.
ومحاجم العرقوبين : منفعتهما قريبة من منفعة حجامة الساقين.
وأما كيفية وضع المحاجم : وهو أن توضع المحجمة أولاً فارغة وتمص مصاً معتدلاً، ولا تطيل وضع المحاجم، لكنك تضعها سريعاً وتنزعها سريعاً لتقبل الأخلاط إلى الموضع إقبالاً مستوياً، ولا تزال تكرر ذلك وتواليه حتى ترى الموضع قد احمر وانتفخ وظهرت حمرة الدم، فحينئذ تشرط وتعاود المص رويداً رويداً، ثم تنظر في حال الأبدان؛ فمن كان من الناس رخص اللحم متخلخل المسام فينبغي أن تشرطه شرطة واحدة لا غير، لئلا يتقرح الموضع، وتأمر الحجام أن يوسع الشرط، ويعمق قليلاً، ويعدل المص في رفق وتحريك لطيف، فإن كان في الدم غلظ فينبغي أن يشرط مرتين؛ أما في الشرطة الأولى فليفتح طريقاً للطيف الدم وما يليه، وأما في الثانية فلاستقصاء إخراج الدم الغليظ، فإن كان الدم عكراً جداً، فيكرر الشرط مرة ثالثة لتبلغ الغاية.
وبالجملة إذا أردنا أن نخرج دماً قليلاً اكتفينا بشرطة واحدة، فإن أردنا إخراج دم كثير شرطنا شرطاً كثيراً، وإن رأينا أن الدم غليظ فينبغي أن نشرط شرطاً عميقاً، والحد المعتدل في الشرط عمق الجلد فقط إن شاء الله.
ما ينبغي أن يُستعمل من الأدهان ، عند وضع المحاجم، ومن المياه، وما يحذره المحتجم، وما ينبغي أن يدبر به المحتجم والمفتصد قبل الحجامة وبعدها، والمحاجم التي تكون بلا شرط، والمحجمة التي تستعمل بالنار:
أما من كان جلده غليظاً صلباً قحلاً ومسامه ضعيفة، فينبغي أن تدهن مواضع المحاجم بأدهان مفتحة ملينة محللة، أما من كان في زمن الصيف فمثل دهن الخيري، أو دهن البنفسج، أو دهن اللوز الحلو، أو دهن حب القرع، وأما إن كان في الشتاء فمثل دهن النرجس أو دهن السوسَن، أو دهن البابونج، أو الزنبق ونحوه، فإن كانت الفضلة غليظة باردة، فليكن الدهن دهن المرزنجوش، أو دهن، النمام أو دهن البان أو دهن الشبت ونحوها، فإن كان المحتجم واسع المسام، غض اللحم، فينبغي أن يمتنع من الدهن، وهؤلاء ينبغي أن تغسل محاجمهم بعد الحجامة بماء الورد، أو بماء بارد، أو بماء عنب الثعلب، أو بماء القرع، أو بماء الرجلة ونحوها، وأما من كان دمه كثير الرطوبة، فتغسل محاجمه بالخل، أو بماء الآس، أو السماق ونحوها، وأما من كانت فضوله غليظة، فتغسل محاجمه بالشراب العتيق، أو بماء المرزنجوش أو طبيخ الشبت، أو البابونج ونحوها.
وينبغي أن تحذر الحجامة في الحمام ، وفي إثر الحمام ، بل ينبغي أن تستعمل بعد الخروج من الحمام بساعة أو ساعتين، ولا ينبغي أن ينام أحد بعد الحجامة.
ما ينبغي أن يدبر به المحتجم والمفتصد
قبل الحجامة وبعدها
يجب أن ينظر أولاً، فإن كان المحتجم والمفتصد صفراوياً، والغالب على دمه الحدة والالتهاب، فينبغي أن يأخذ المبردات كالرمان والهندبا بالخل والخس والسكنجبين والجلاب ونحوها، ويجعل أطعمته الفراريج ولحم الضأن سكباجات وحصرميات ونحوها.
ومن كان مزاجه بارداً فينبغي أن يسقى شراب العسل أو شراب الميبة أو السكنجبين البزوري، ويتناول النبيذ العطري المتوسط الذي هو فيما بين القديم والحديث، ويؤمر بقلّة الغذاء، ويجعل غذاؤه الفراريج، والقنابر، والعصافير وفراخ الحمام إسفيذباجات ، وينبغي أن يكون الشراب يوم الحجامة والفصد أكثر من الطعام، وينبغي أن يسقى في بعض الأوقات لبعض الناس من الترياق الفاروق، أو دواء المسك أو الشليثا قبل الحجامة وقبل الفصد أو بعده لتقوى الأعضاء الرئيسة ويرق الدم، ولا ينبغي أن يسقاه المحرورون.
وأما المحاجم التي تكون بلا شرط : فهي المحاجم التي توضع على الكبد والطحال والثديين وعلى البطن والسرة ومواضع الكلى وحق الورك، لأن هذه الأعضاء الرئيسة لا تحتمل الشرط عليها، وإنما يراد بها إما جذب الدم من عضو إلى عضو، كوضعنا المحجمة على الثديين في علة الرعاف، أو نستعملها لنُحل عن العضو ريحاً بارداً، قد لحج في العضو كوضعنا المحجمة على البطن والسرة، فإنها تخلخل العضو وتسخنه وتذهب بالوجع لتحليلها ذلك الريح، وقد توضع على الكلى إذا عرض فيها سدة أو حصاة، فبقوة جذبها ربما فتحت السدة أو قلعت الحصاة من موضعها، وكذلك تفعل إذا وضعت على الكبد والطحال عند ريح ترتبك* فيهما، وهذه المحاجم تستخدم فارغة بالمص فقط، وقد تستعمل بالنار، وقد تستعمل مملوءة بالماء الفاتر في علل الشوصة؛ وذلك أن تملأ المحجمة، ولتكن كبيرة، بالماء الحار وحده أو بماء قد طبخ فيه بعض الحشائش التي تصلح لذلك، ثم توضع مملوءة على الموضع وتمسك وتزال وتعاد مرات على قدر الحجامة، إن شاء الله تعالى.
صورة المحجمة التي تستعمل بالنار : تكون سعة فمها إصبعين مفتوحين على ما صورنا ، وقدرها في العمق نصف شبر، ويكون في جنبها نحو النصف منه ثقب صغير على قدر ما تدخل الإبرة، تصنع من النحاس الصيني أو النحاس الأصفر، غليظة الحاشية، ملساء مستوية مجلوة، لئلا تؤذي العضو عند وضعها عليه، ويكون في وسطها قضيب معترض من نحاس، أو حديد، حيث توضع الشمعة بالنار، وقد تصنع هذه المحجمة كبيرة أكبر مما وصفنا، وصغيرة على حسب الأمراض وسن مستعملها؛ فإن محاجم الصبيان والنحفاء غير محاجم الرجال وعُبل الأجسام.
وأما كيفية وضع هذه المحجمة بالنار على العضو؛ فهو أن تقد فتيلة بالنار من كتان محكمة، أو شمعة صغيرة من قير، وتضعها على وسط القضيب المصلب الذي في وسط المحجمة، ليكون صعود النار إلى فوق نحو أسفل المحجمة لئلا يحترق بدن العليل، ثم توضع على العضو والإصبع على الثقب الذي ذكرنا، حتى إذا أمسكت المحجمة ما احتجت، نزعت الإصبع وخرج البخار من ذلك الثقب، وانحلت المحجمة على المقام، ثم تعدّ الفتيلة على هذه الصفة، وتعيدها إن احتجت إلى ذلك.
فأما المحجمة التي تستعمل في مرض الشوصة بالماء، فليس فيها قضيب مصلب، ولا ثقب، وإنما تستعمل بأن تُملأ بالماء وتوضع على العضو فقط .
وهذه المحجمة كلما كانت كبيرة لتسع ماءً كثيراً كانت أفضل إن شاء الله تعالى.
في تعليـق العلـق : العلق إنما يستعمل في أكثر الأحوال في الأعضاء التي لا يمكن فيها وضع المحاجم إما لصغرها؛ كالشفة واللثة ونحوها، وإما لأن العضو معرى من اللحم؛ كالإصبع والأنف ونحوها.
وكيفية استعمالها؛ أن تقصد من العلق التي تكون في المياه العذبة، النقية من العفونات، ثم تترك يوماً وليلة في الماء العذب حتى تجوع ولا يبقى في جوفها شيء، ثم تستفرغ البدن أولاً بالفصد أو بالحجامة، ثم تمسح العضو العليل حتى يحمر، ثم توضع عليه، فإذا امتلأت وسقطت وأمكن مص الموضع بالمحجمة فهو أبلغ في المنفعة، وإلا فاغسل الموضع بخلّ ثم بماء كثير، ويدلك ويعصر، فإذا تمادى جري الدم بعد سقوط العلق، وكان ذلك رشحاً فلتبل خرقة كتان في الماء البارد وتضعها من فوق حتى ينقطع الرشح، فإن كثر الدم، فذر عليه زاجاً مسحوقاً أو عفصاً أو نحوها من القوابض حتى ينقطع الدم، أو يوضع على الموضع أنصاف الباقلي المقشر، ويترك حتى يلصق الباقلي في الموضع فإن الدم ينقطع. وينبغي إن احتيج إلى إعادة العلق فلا تعلق تلك العلق إذا أمكن غيرها.
فإن امتنعت العلق من التعليق فلتمسح الموضع بدم طري، أو تغرز إبرة في الموضع حتى يخرج شيء من الدم، ثم توضع، فإنها إذا أحست بشيء من الدم لصقت على المقام، فإذا أردت أن تسقط فانثر عليها شيئاً من الصبر المسحوق، أو الملح، أو الرماد، فإنها تسقط على المقام إن شاء الله تعالى.
المرجع : كتاب الزهراوي في الطب لعمـل الجراحـين تحقيق ودراسة الدكتور محمد ياسر زكور
أحدث التعليقات